لا تزال بعض القطاعات الحكومية في الجنوب، وفي عدد من الدول العربية، حكراً على الذكور، خصوصًا القطاع الأمني (موضوع بحثنا)، رغم تطور أدوات ووسائل الجريمة، التي تتطلب في بعض المواقف تواجد كوادر أمنية نسائية مؤهلة للقيام بالدور الامني.
ويكمن أهمية وجود الشرطة النسائية في هيكل المؤسسة الأمنية، في تقديم المساعدة وتسهيل واستقبال شكاوى النساء، ومنع العنف الذي قد يلحق بهن، إلى جانب جرائم الابتزاز الإلكتروني.
وجود المرأة في السلك الأمني مهم جداً أيضاً في تقديم الحماية والدعم للنساء، وتعزيز الأمن الأسري، وتيسير التعامل في القضايا التي تخص المرأة مع الحفاظ على خصوصيتها واحترام ثقافتها، بالإضافة إلى تمكين المرأة والمساهمة في تحقيق الاستقرار المجتمعي، حيث تتولى وحدات متخصصة تقديم الدعم والحماية لضحايا العنف، بما في ذلك قضايا الاغتصاب والتحرش. إلى جانب توفير بيئة آمنة للتعامل مع قضايا المراة.
تشجيع النساء الضحايا على الإبلاغ دون خجل:
وجود الكادر الأمني النسوي بمواقع حساسة بالمرافق الأمنية، كالبحث واستقبال الشكاوى، يشجع الضحايا من النساء على الإبلاغ والتحدث وطرح مشكلاتهم بكل أريحية دون حياء أو خجل على الكادر الأمني النسوي، بعكس إذا كان المسؤول رجلاً.
فالعديد من النساء يفضلن التعامل مع الشرطيات في قضايا حساسة أو شخصية، مما يجعلهن أكثر استعدادًا للإبلاغ وتقديم المعلومات الضرورية لتحقيق العدالة.
ويساهم وجود النساء في السلك الأمني في تعزيز الأمن والاستقرار للمجتمع ككل، من خلال تنويع الخبرات ووجهات النظر في مجالات العمل الشرطوي.
ويمثل انخراط المرأة في العمل الشرطوي خطوة هامة في تمكينها وتعزيز مشاركتها في مختلف جوانب الحياة، مما يرسخ دورها كشريك أساسي في حماية المجتمع وضمان العدالة.
إلى جانب أن وجود المرأة في قطاع الأمن يتوافق مع القيم الثقافية والدينية. حيث تضمن الشرطة النسائية وجود عنصر أمني نسوي يمكنه التعامل مع قضايا المرأة، بطريقة تتفق مع الحياء والحشمة والحفاظ على الخصوصية، بما يتوافق مع مبادئ الثقافة والمجتمع المسلم. كما تساهم في نشر الوعي بحقوق المرأة وتثقيف المجتمع، والتصدي للعنف المبني على النوع.
تقدم الشرطة النسائية في هذا الجانب دعمًا هامًا للمرأة في مواجهة العنف المبني على النوع، من خلال التعاون مع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأخرى، لتقديم الحماية والمساعدة.
تحديات أمام عمل المرأة في قطاع الأمن:
في الجنوب وعدد من الدول العربية، تواجه المرأة العديد من التحديات التي تحول بينها وبين الانخراط في السلك الأمني، أبرزها العرف الديني والموروث الاجتماعي والقبلي، أو النظرة الدونية الاجتماعية، أو نظرة الاحتقار من الزملاء الذكور الملتحقين بنفس المرفق، إلى جانب إهمال تدريب وتأهيل الملتحقات فعلياً رغم عددهن المحدود.
لهذا، أصبح من الضروري فتح مدارس للشرطة النسوية، وإنشاء مبنى خاص لتمكين النساء في العمل الأمني، لما له من دور كبير في خدمة المجتمع عامة والنساء خصوصًا. يجب ألا تكون النظرة القاصرة حول عمل الشرطيات عائقًا أمام تمكينهن، لاسيما وجودها أصبح ضرورياً بعد تزايد قضايا الابتزاز الإلكتروني، الذي يعد من أكبر القضايا التي تواجه مجتمعنا في الآونة الأخيرة.
حيث تعمل المرأة الأمنية على حفظ خصوصية الضحايا من النساء وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لهن، وتكون التحقيقات - بحسب مختصات - أكثر راحة وصراحة وطمأنينة، سواء كانت المرأة متهمة أم مجني عليها. هذا ينطبق ليس فقط على القضايا الحساسة المتعلقة بالنساء، بل أيضًا على قضايا الأطفال. لذلك، من الضروري تعزيز وجود النساء في الأقسام الأمنية، لما له من تأثير إيجابي على استقرار الأمن وحماية المجتمع.
إشهار جمعية الشرطة النسائية في العاصمة عدن:
وفي يوم 23 يوليو 2025م تم إشهار جمعية الشرطة النسائية في العاصمة عدن، وذلك في مقر إدارة البحث الجنائي، بتنفيذ من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وبالشراكة مع مؤسسة آفاق شبابية، وبدعم من الحكومة الكورية، وبإشراف مباشر من مكتب التخطيط والتعاون الدولي عدن، وإدارة أمن العاصمة عدن. وكانت، بحسب مختصين، خطوة نوعية تهدف إلى تمكين المرأة وتعزيز دورها في المجال الأمني.
خلال فعالية الإشهار، قام مدير أمن العاصمة عدن، اللواء الركن مطهر الشعيبي، بافتتاح مقر الجمعية، وذلك في مقر إدارة البحث الجنائي بالعاصمة، مشيرًا إلى أهمية هذه الخطوة رغم تواضع الإمكانات، مؤكدًا أنها تشكل منصة جامعة للنساء العاملات في السلك الشرطي، رغم غياب الأطر النقابية بحكم الطابع العسكري للعمل الأمني.
وأوضح الشعيبي أن هذه المبادرة تعكس اهتمام المجتمع الدولي، بتمكين المرأة في القطاع الأمني، لافتًا إلى أن الجمعية ستسهم بشكل كبير في تحسين الأداء الأمني، من خلال تفعيل دور الشرطة النسائية، وتعزيز ثقة المجتمع بها، متمنيًا لها دوام التوفيق والنجاح.
من جانبها، أكدت الدكتورة وئام أن الجمعية تمثل منصة لتمكين المرأة القيادية في الشرطة، رغم التحديات التي تواجهها في ظل الظروف الصعبة، مشيرة إلى أن الجمعية، والتي تستمر لمدة ستة أشهر في مرحلتها الأولى، تهدف إلى توحيد جهود الشرطة النسائية وتعزيز تواصلها مع المجتمع.
وتشمل أنشطة الجمعية المرتقبة:
- تنفيذ حملات توعوية (غير ممولة).
- إعداد ورقة سياسات داعمة لدور الشرطة النسائية (ممولة).
- زيارات ميدانية وتنسيق وتشبيك مع الجهات المعنية.
- تنفيذ برنامج بناء قدرات المدربين (TOT) لتدريب عناصر الشرطة النسائية.
- تحديد احتياجات المجتمع من منظور الشرطة النسائية.
- تفعيل الجانب الإعلامي للجمعية لتعزيز التواصل المجتمعي.
كما تم الإعلان عن أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية، وهم:
- رئيس الجمعية: وزيرة محمد عبداللطيف.
- مقرر الجمعية: ندية حسن عبيد الميفعي.
- مسؤول العلاقات: ماجدة محمد منصور عبيد.
- المسؤول المالي والإداري والسكرتارية: عتاب أحمد محمد.
- المنسق الميداني: حميدة سالم عبدالله أحمد.
- مسؤول المتابعة والتقييم: عيشة فلاح علي سعيد.
- المسؤول الإعلامي: رشا علي بن علي قائد.
يمثل إشهار الجمعية خطوة رائدة في سبيل تمكين المرأة الأمنية. ويُتوقع أن يكون لها أثر ملموس في تحسين أداء الشرطة النسائية، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية والمجتمع، وترسيخ مفهوم الشراكة المجتمعية في تحقيق الأمن والاستقرار.
ختاماً..
هل يمثل إشهار جمعية الشرطة النسائية بالعاصمة عدن أولى خطوات كسر حاجز احتكار القطاع الأمني على الذكور؟ وحافزاً داعماً ومشجعاً على التحاق شريحة النساء بالقطاع الأمني من جهة، وكذا إقناع المسؤولين بفكرة تمكين المرأة في جميع إدارات وفروع قطاع الأمن، لا سيما الحاجة اليوم أصبحت ماسة لوجود الكادر الأمني النسوي، في ظل تطور أدوات وأساليب ووسائل الجريمة والابتزاز الإلكتروني، وفي ظل خجل الضحايا من النساء، سواءً المعنفات أو المغتصبات أو المسلوبة حقوقهن، من الإبلاغ، في ظل هيمنة الذكور على إدارات وفروع القطاع الأمني المختلفة؟