تولد العلاقة بين الطفل والكتاب من لحظة يفتح فيها الصغير عينيه على الألوان والصور والكلمات المضيئة التي تحكي له الحكايات. ليست القصة للطفل مجرد ورق مطبوع أو رسومات ملونة، بل هي نافذة يطل منها على عالم واسع، يمده بالدهشة ويزرع في وجدانه حبّ الكلمة.
إنّ القراءة عند الطفل لا تُغرس بالأوامر، ولا تُفرض بالتعليم المباشر، بل تنمو كما تنمو الوردة في الحديقة؛ تحتاج إلى تربة خصبة، وماء من الخيال، وضوء من التشويق. وهنا تأتي القصة لتؤدي دورها الأعمق: فهي تجعل الكتاب صديقاً محبباً، وتحوّل القراءة من مهمة مدرسية إلى رحلة ممتعة.
في لحظة يبحر الطفل مع الأرنب الذي يبحث عن جزرته الضائعة، أو مع العصفور الذي يتحدى العاصفة ليعود إلى عشه، يكتشف أن الكلمات أجنحة. يتعلم أن لكل كلمة ظلالاً ومعنى، وأن اللغة ليست أصواتاً جافة بل نغماً يفتح أبواباً للخيال والفهم.
قصص الأطفال تنمّي عادة التدرج في القراءة: يبدأ الطفل بمتابعة الصور، ثم يربط بينها وبين الكلمات، ثم يكتشف أن الحروف الصغيرة تحمل أسرار العالم. ومع التكرار، تتحول الحكاية إلى عادة، والكتاب إلى صديق، والقراءة إلى عادة حياتية تضيء الدرب.
وللقصص أثر أبعد من التسلية، فهي تصقل الوجدان وتربي الذائقة الجمالية. فمن خلالها يتعلم الطفل الإصغاء، والتأمل، وربط الأحداث ببعضها، وفهم المعاني الضمنية، فيتدرّب على التفكير النقدي والإبداعي في آن واحد. بل إن القصة تفتح أمامه أفقاً للغة أرحب، تثري مفرداته وتوسّع مداركه، وتمنحه مفاتيح التواصل مع ذاته ومع الآخرين.
ولذلك، فإن قصص الأطفال ليست ترفاً ثقافياً، بل هي أساس تربوي لبناء عادة القراءة. هي الخطوة الأولى التي تزرع في القلب حبّ الكتب، وتصنع في العقول بذور المعرفة، لتغدو القراءة رفيقة العمر لا مجرد نشاط عابر.