أزمات لا تفتر بل في تصاعد مستمر (إفقار وتجويع)، تدمير ممنهج لقيمة العملة المحلية، رافقه ارتفاع جنوني في الأسعار، قلق لا يفارق أرباب الأسر، تفكير وهواجس في كيفية توفير لقمة عيش اليوم التالي، مجاعة باتت تطرق الأبواب، في ظل توقف الرواتب وإفراغها من قيمتها الشرائية. أصبحت العملة المحلية، الريال اليمني الطبعة الجديدة المتداولة في الجنوب، مجرد ورق لا يساوي قيمة طباعته.
أزمات لا يراد لها أن ترفع، بحسب محللين، تقف خلفها أجندات وإرادة سياسية عدائية للجنوب وأهله.
واقع مأساوي أفرز تساؤلات:
يتساءل المواطن البسيط: إلى متى يستمر تخويف الناس بانعدام الأمن الغذائي والخدمي والمالي؟! معاملة قذرة جردته من أبسط حقوقه في العيش الكريم.
هل وقوف شعب الجنوب إلى جانب إخوانه العرب ضد المد الفارسي الإيراني الشيعي كان خطأ؟ هل كان وقوف الجنوبيين ضد مليشيات الحوثي ومن خلفها ايران خطأ؟ هل دفاع الجنوبيين عن الأمن القومي العربي كان خطأ؟
لم يتوقع أحد أن تصبح براميل الزبالة جزاء ومكافأة للجنوبيين على وقوفهم الرجولي إلى جانب إخوانهم العرب.
ضُربت العملة المحلية في الجنوب فقط، فيما لا تزال مستقرة بمناطق سيطرة الحوثيين. في الجنوب تجاوز سعر الريال السعودي الواحد 700 ريال يمني، فيما حافظ على قيمته في صنعاء عند 139 ريالاً يمنياً، رغم الحصار والضربات العسكرية الأمريكية إسرائيلية، وإغلاق جميع الموانئ والتشديد في جميع المنافذ.
ثم يأتي أحد الجهلة ليخبرنا أن الحوثي يعتمد على خطوط التهريب لتقوية اقتصاده وجيشه، متناسياً أن خطوط التهريب شاقة ومنهكة ومكلفة، فيما جميع الخطوط التي تربط الجنوب بالعالم مفتوحة - رسمية وغير رسمية - وغير مكلفة.
إفلاس أخلاقي:
انهيار العملة في الجنوب، بحسب خبراء اقتصاد، لم ليس عفوياً بل مدبر، تديره أياد سياسية تمارس ضغوط غير معلنة ضد شعب الجنوب وقيادته بالمجلس الانتقالي الجنوبي. ابتزاز سياسي أدواته إنسانية “اقتصادية خدمية”، عكست جلياً حالة الفشل والإفلاس الأخلاقي التي وصل إليها أعداء المشروع الجنوبي التحرري (اليمنيين والإقليميين).
لا جديد يلوح في الأفق يبشر برفع المعاناة التي يرزح تحت وطأتها سكان العاصمة الجنوبية عدن وبقية محافظات الجنوب، لاسيما يراهن الفاعلون القذرون على أن يقدم المجلس الانتقالي الجنوبي تنازلات، أو الموت الجماعي لشعب الجنوب.
عقب أن استنفدت أغلب الأسر الجنوبية مدخراتها، تعذيب وعقاب جماعي يتنافى مع القانون الدولي المدافع عن حقوق الإنسان وحقه المشروع في الحرية وتقرير مصيره.
أرباب أسر عاجزون عن تلبية أبسط متطلبات أطفالهم
توقف الرواتب وفقدانها قيمتها الشرائية واستمرار انهيار قيمة العملة المحلية، الريال اليمني الطبعة الجديدة المتداولة في الجنوب، جعل الحصول على لقمة العيش صعباً، تضرر أرباب الأسر بشكل لا يوصف، أصبحوا عاجزين أمام توفير أبسط متطلبات أطفالهم..
البعض أصبح عاجزاً عن تقديم وجبة لأطفاله، ناهيك عن الدواء والملابس وكذلك حليب للرضع، وغيرها من المتطلبات الضرورية المرتبطة بحياة وكينونة الإنسان، وأتت أزمة انقطاع الكهرباء لتزيد المواجع، ينام الطفل وهو يتضور جوعاً ويتصبب عرقاً.
وضع يكسر القلب ويدمع العين، وصمة عار على جبين الإنسانية، وعلى جبين المسؤولين الذين ارتضوا لأنفسهم حمل الأمانة وهم غير جديرين بها، بل مجرد أدوات لتنفيذ أجندات قاتلة.
منظمات أممية تحذر من خطورة الوضع الإنساني والغذائي في الجنوب:
في السياق، وبه نختم التقرير، أكدت ثلاث منظمات أممية خطورة وضع الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحكومة في محافظات الجنوب، حيث يعاني ما يقرب من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويكافحون لتوفير وجبتهم التالية.
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، في بيان مشترك، من أن انعدام الأمن الغذائي يهدد أكثر من نصف سكان مناطق سيطرة الحكومة الشرعية في الجنوب، خاصة العاصمة عدن.
وأكد البيان أن “وضع الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحكومة حرج، حيث يعاني ما يقرب من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويكافحون لتوفير وجبتهم التالية”.
وكشف آخر تحديث للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) عن صورة قاتمة للمحافظات الجنوبية الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا. وبين مايو وأغسطس 2025، واجه أربعة ملايين و95 ألف شخص حالة من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة الثالثة من التصنيف أو ما هو أسوأ)، بما في ذلك مليون ونصف المليون شخص في حالة طوارئ (المرحلة الرابعة من التصنيف).
وأفاد البيان بأن ذلك يمثل زيادة قدرها 370 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مقارنة بالفترة من نوفمبر 2024 إلى فبراير 2025.
وتوقع البيان تدهور الوضع بين سبتمبر 2025 وفبراير 2026، بإضافة 420 ألف شخص إلى المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو ما هو أسوأ، خاصة إذا لم تقدم المساعدات بصورة عاجلة ومستدامة.
ولفتت المنظمات الأممية إلى أن ذلك سيرفع العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في المحافظات الجنوبية إلى خمسة ملايين و38 ألف شخص، أي أكثر من نصف السكان.
وأوضح البيان أن الأزمات المتداخلة تزيد من مستوى انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك التدهور الاقتصادي المستمر، وانخفاض قيمة العملة في المحافظات الجنوبية، والصراع الدائر، والظواهر الجوية القاسية المتزايدة.