في ظل التغيير السلبي لأوراق اللعبة السياسية، والتناقض الحاصل بين الشعارات والأفعال على الأرض، لم يعد الحوثي عدواً إقليمياً، والشرعية اليمنية لا تنوي العودة إلى صنعاء، بل تسعى ومن خلفها الإقليم لإقامة وطن بديل لها في الجنوب. في المقابل، أصبح الجنوبي عدواً يجب استبعاده عن المشهد السياسي وحرمانه من استعادة دولته المسلوبة المنهوبة، عقب أن كان الحليف النصير في العام 2015م، وعقب أن قدم قوافل من الشهداء والجرحى دفاعاً عن الأمن القومي العربي والخليجي، وعقب أن نجح في قطع أذرع إيران ومنعها من التمدد جنوب الجزيرة العربية، أنقذ العرب من خطر فارسي وشيك، أصبح اليوم مُحارباً في لقمة عيشه، تتعرض عاصمته لانتهاكات جسيمة في صورة أزمات ظالمة.
ضرب الإرادة وتغيير القناعات للانصياع للعصا اليمنية إقليمية:
تحولت القطاعات الخدمية الإنسانية كالكهرباء والمياه والعملة المحلية الريال اليمني، الطبعة الجديدة المتداولة في الجنوب، إلى أسلحة فتاكة تتمترس خلفها إرادة سياسية هدفها ضرب الإرادة الجنوبية، لثني شعب الجنوب عن مشروعه التحريري وإجباره على تغيير قناعاته والانصياع للعصا اليمنية إقليمية دون قيد أو شرط، في انتهاك فاضح واضح للحقوق والحريات وللقانون الدولي إنساني، القائم على احترام الرأي الآخر وحرية التعبير وحرية الشعوب في تقرير مصيرها.
نسوان الجنوب رقم صعب:
منذ انطلاقة مسيرة الحراك السلمي الجنوبي التحرري في العام 2007م، كانت المرأة في الأوائل بمقدمة الصفوف، تساند أخاها الجنوبي، بذلت وما تزال تبذل لأجل الانتصار للقضية الجنوبية.. واليوم أصبحت رقماً صعباً في معادلة انتزاع الحقوق والذود عن القضية السياسية، والتمسك بالانتماء والهوية الجنوبية، وفي مقارعة الأصوات الدخيلة المعادية.
استطاعت إخراس الأصوات النشاز التي أفرزها النزوح اليمني الهمجي في الجنوب، وجددت التأكيد على أن المطالب الحقوقية سوف تنتزع من ساحات النضال التحرري الجنوبي، وسيظل علم وقضية الجنوب متواجدين في نفس الزمان والمكان. وهذا بالفعل ما شهدته ساحة العروض بمديرية خور مكسر بالعاصمة عدن يوم الجمعة 16 مايو 2025م.
فعالية نسوية كبرى نظمها حرائر وماجدات الجنوب تحت شعار "ثورة النسوان"، ضمن برنامج تصعيد الاحتجاجات الشعبية السلمية التي انطلقت منتصف يناير 2025م، على وقع التدهور المتسارع المخيف لقيمة العملة المحلية، الريال اليمني الطبعة الجديدة، المتداولة في الجنوب أمام العملات الأجنبية، وما نجم عنه من انهيار كارثي للاقتصاد وغلاء معيشة أوصل أغلب الأسر الجنوبية إلى حافة المجاعة. وكذا انهيار منظومة كهرباء العاصمة عدن وعجز الحكومة عن إيجاد حلول مستدامة.
رددت النسوان خلال الفعالية هتافات "بالروح والدم نفديك يا جنوب"، رافعين أعلام دولة الجنوب، ولافتات منددة بالانهيار الاقتصادي وقطع التيار الكهربائي وتوقف المعاشات و تقاعس الحكومة والرئاسي عن إيجاد حلول، محملة إياهما مسؤولية الأزمات المفتعلة الحاصلة في الجنوب وتبعاتها، مطالبات المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالالتفات إلى ما يعانيه الناس في مدينة عدن وبقية محافظات الجنوب، وممارسة الضغط على المجلس الرئاسي والحكومة الشرعية للاستجابة لمطالب المحتجين، وعمل حلول جذرية مستدامة تؤدي إلى وقف تدهور قيمة العملة المحلية وتحسين الوضع الاقتصادي المعيشي والخدمي، وتسوية رواتب الموظفين بما يتناسب مع سعر صرف العملة أمام العملات الأجنبية، ومع غلاء الأسعار وصرفها بصورة شهرية منتظمة.
وأتت الوقفة النسوية الاحتجاجية أيضًا كرد مزلزل على النازحات اليمنيات اللواتي خرجن قبلها بأيام، في وقفة احتجاجية لتشويه الانتقالي ومهاجمته وتحميله مسؤولية الوضع الذي يعيشه الجنوب.
رفض توظيف الاحتجاجات الحقوقية للنيل من الانتقالي الجنوبي:
كما جددت النساء الجنوبيات، في أكثر من وقفة احتجاجية، رفض توظيف الاحتجاجات الحقوقية المشروعة للنيل من المجلس الإنتقالي الجنوبي، ومن علم دولة الجنوب ومن القضية الجنوبية (جوهر الصراع اليمني جنوبي) السياسية، ومشروع الجنوبيين الكبير في استعادة دولتهم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الفيدرالية، مؤكدات على أن حراكهن الشعبي بكافة أشكاله - سواءً الحقوقي أو السياسي - يسير تحت مظلة علم الجنوب، كونه رمزاً سيادياً، يمثل تاريخ وهوية دولة وشعب الجنوب، سقط تحت رايته ألوف الشهداء والجرحى، "ولن نفرط فيه مهما كان الثمن".
كما جددن التأكيد على أن المجلس الانتقالي الجنوبي يظل ممثل الجنوبيين السياسي الوحيد، بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي.
تأييد إجراءات الانتقالي الأخيرة:
في السياق، أعلنت ناشطات جنوبيات تأييدهن المطلق للإجراءات التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال اجتماعه الطارئ الذي عقد يوم الإثنين الماضي 26 مايو 2025م، وكُرِّس لمناقشة التدهور الخطير في الأوضاع المعيشية والخدمية التي تمر بها العاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب، في ظل عجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين، وانعدام أي مؤشرات جدية لمعالجات مستدامة..
مؤكدات أن اللحظة تتطلب شجاعة في المكاشفة وجرأة في اتخاذ القرار، وانحيازًا صادقًا لمعاناة المواطنين، بعيدًا عن أي حسابات أخرى.
وكان الاجتماع قد قرر اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة، في مقدمتها تشكيل لجنة طوارئ تكون في حالة انعقاد دائم، تضم ممثلين عن المجلس والحكومة والسلطة المحلية في العاصمة، تتولى متابعة الأوضاع على الأرض أولاً بأول، وتقديم تقارير يومية للرأي العام حول المستجدات، بما يضمن الشفافية ويعزز الثقة الشعبية بالتحركات الجارية لمعالجة الأزمات.
وكذا مخاطبة مجلس الأمن والمبعوث الأممي والدول الراعية للعملية السياسية، بتوجيه رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، والدول الراعية للعملية السياسية، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، لوضعهم أمام حجم المعاناة التي يواجهها المواطنون، ومطالبتهم بتحرك دولي عاجل لمعالجة جذور الأزمة، وضمان تدخل فعّال للحد من التدهور القائم.
كما رفع الاجتماع توصية لرئيس المجلس، نائب رئيس مجلس القيادة، بإلغاء أي فعاليات سياسية أو احتفالية غير ضرورية، سواء للمجلس الانتقالي أو للسلطات المحلية، وتوجيه عائداتها المالية لدعم الجوانب الإنسانية والخدمية، بما يُسهم في التخفيف من معاناة المواطنين في هذه المرحلة الحرجة.
ختاماً..
التحرك النسوي الجنوبي يعكس حالة احتقان وغضب الأسرة الجنوبية المتزايد، والإفصاح العلني عن صعوبة التعايش مع هكذا أوضاع مؤلمة أو السكوت عليها، وإشارة أكثر وضوحاً إلى أن الموقف أصبح جداً خطير، عقب وضع المواطن الجنوبي أمام خيارين: إما الموت جوعاً أو الاستسلام والانصياع لما يريده أعداء القضية.