تقرير/حنان فضل
بدأ الابتزاز الالكتروني بالتزامن مع انتشار استخدام الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح من السهل على مرتبكي الجرائم الإلكترونية استغلال ضحاياهم، وخاصة الفتيات باعتبارهن أكثر عرضة للابتزاز الإلكتروني.
وهناك أنواع للابتزاز الإلكتروني أبرزها: الابتزاز المالي، من خلال المطالبة بمبلغ مالي لتجنب نشر معلومات أو صور. والابتزاز العاطفي، وهذا يكون عبر التهديدات للتلاعب بمشاعر الضحية وتحقيق مكاسب معينة، وأيضاً هناك نوع آخر وهو استغلال المتابعين إنسانياً، مثلاً في الفيسبوك، من خلال نشر حالات مرضية أو غيرها لاستعطاف الطرف الآخر لإرسال المبلغ والتواصل معه خاص، وهنا يكون لقمة سهلة لهذه الشبكة الخطيرة التي تستهدف ضحاياها بشتى الطرق وعلى حساب الآخرين.
تزايد الاعتماد على التكنولوجيا
قالت الدكتورة رانيا خالد، اختصاصية اجتماعية ودعم نفسي: مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، بدأت تظهر ممارسات رقمية خطرة تهدد الأفراد والمجتمع، ولعل أبرزها "الابتزاز الإلكتروني"، الذي بات يشكل ظاهرة مقلقة، وللأسف تتوسع بشكل مخيف بل وتخترق جميع الفئات دون استثناء، مخلفةً آثاراً نفسية واجتماعية واقتصادية يصعب تجاهلها.
إن الابتزاز الإلكتروني هو جريمة تستخدم للضغط على الضحية وتهديدها بنشر معلومات أو صور شخصية حساسة، مقابل الحصول على مال أو خدمات، أو بهدف للإذلال والسيطرة. والمفارقة أن هذه الجريمة لا تحتاج إلى سلاح أو مواجهة مباشرة، بل تتم في الخفاء خلف شاشات الهواتف والحواسيب، مما يجعل مواجهتها أكثر تعقيدا.
وعادة المبتز يستهدف نقاط الضعف، ويستغل الثقة التي تُمنح له عبر الفضاء الرقمي، أو يقوم باختراق الحسابات وسرقة البيانات الشخصية. وغالباً ما يرافق الابتزاز تهديد مستمر، يصيب الضحية بالهلع والقلق، ويقودها إلى العزلة، وقد تتفاقم الحالة لتصل إلى الاكتئاب او محاولات الانتحار.
في مجتمعات محافظة كمجتمعاتنا، يتفاقم خطر الابتزاز الإلكتروني بسبب "العار الاجتماعي" المرتبط بالضحايا، خاصةً النساء. فبدل أن يحصلن على الدعم، يُواجهن في كثير من الاحيان باللوم والشك، ما يجعلهن يفضّلن الصمت على الفضيحة. هذا الصمت لا يحمي الضحية، بل يمنح المبتز مساحة أوسع لارتكاب المزيد من الانتهاكات.
وفي كثير من الحالات، تُجبر النساء على دفع الأموال أو الانسحاب من الحياة العامة، حرصاً على سمعتهن، بينما يظل الجاني خارج دائرة المحاسبة، مستفيداً من ضعف الوعي القانوني، وتردد كثير من الضحايا في الإبلاغ عن الجريمة.
غير كافياً أن نحذر من الابتزاز الإلكتروني، بل من الضروري أن نخلق بيئة رقمية آمنة يسودها الوعي، وتُحترم فيها الخصوصية، وعلى المؤسسات التعليمية أن تُدرج الثقافة الرقمية في مناهجها، بحيث يُصبح الطالب منذ سن مبكرة قادر على التمييز بين السلوك الآمن والخطر على الإنترنت، كما ينبغي على الأسر أن تتواصل بصدق وانفتاح مع أبنائها، وتكون مصدر أمان لهم في حال تعرضهم لأي تهديد.
وتحمل المنصات الرقمية بدورها جزءاً من المسؤولية، إذ عليها أن توفّر آليات فعّالة للإبلاغ السريع عن الابتزاز والمضايقات، وأن تتفاعل معها بجدّية دون تأخير. كذلك، على وسائل الإعلام أن تُسلّط الضوء على خطورة الظاهرة، وتستضيف المختصين لمناقشتها، بما يُساهم في نشر ثقافة الحماية الرقمية لا الخوف.
ختاماً، إن الابتزاز الإلكتروني ليس قضية فردية، بل ظاهرة مجتمعية تتطلب استجابة جماعية. لا بد أن نتحرّك كمجتمع، بمؤسساته وأفراده، نحو مواجهة هذه الجريمة بثقة وحزم، وأن نكسر ثقافة الصمت والخجل، لأن التستر لا يحمي الضحايا بل يضاعف من عددهم. ومتى ما أدركنا أن مواجهة الابتزاز هي دفاع عن الكرامة الإنسانية، وعن الحق في الأمان الرقمي، سنكون قد وضعنا أول حجر في طريق مجتمع أكثر وعيًا وأقل هشاشة أمام الابتزاز.
الابتزاز الإلكتروني في عدن: وباء رقمي ومسؤولية جماعية
وقدمت الأستاذ مشارك الدكتورة ياسمين محمد باغريب، شرحاً تفصيلياً عن الابتزاز الالكتروني، وما هي الخطوة الأساسية للحماية منه: "سارة (اسم مستعار)، طالبة في كلية، تروي: "هددني المبتز بفضح صوري إن لم أدفع له... لم أستطع النوم لأيام، ولا أعرف من أستطيع الوثوق به".
في محافظة عدن، حيث تسعى الحياة إلى استعادة استقرارها، يواجه المجتمع تحديًا جديدًا يهدد نسيجه الأخلاقي والاجتماعي، لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يترك أثرًا بالغًا في النفوس. الابتزاز الإلكتروني، هذه الجريمة الصامتة، باتت تنتشر بشكل متسارع، خاصة بين فئة الشباب والفتيات، في ظل غياب الوعي الرقمي والتأخر في الاستجابة المجتمعية.
ما هو الابتزاز الإلكتروني؟
هو تهديد الضحية بنشر معلومات أو صور شخصية حصل عليها الجاني بطرق احتيالية أو عبر علاقات افتراضية، مقابل المال أو خدمات معينة. غالبًا ما يبدأ كل شيء برسالة ودية من حساب مزيف، لتتدرج العلاقة حتى يصل الأمر إلى ضغط وتهديد نفسي متواصل.
لماذا تنتشر هذه الظاهرة في عدن؟
تشهد عدن تفشيًا لظاهرة الابتزاز لأسباب عدة: ضعف التوعية الرقمية في المدارس، غياب الثقافة الأسرية في التعامل مع الإنترنت، الثقة الزائدة في الغرباء، وسوء استخدام وسائل التواصل. كما ساهمت الأوضاع الاقتصادية وارتفاع البطالة في خلق بيئة يمكن أن يتحول فيها البعض من ضحايا إلى جناة.
الآثار النفسية والاجتماعية: الكلفة الباهظة
قد تبدو الجريمة إلكترونية، لكنها تترك خلفها آثارًا إنسانية بالغة. كثير من الفتيات انسحبن من مقاعد الدراسة خوفًا من الفضيحة. آخرون يعانون من الاكتئاب والعزلة والخوف الدائم. فقدان الثقة بالنفس، تفكك العلاقات الأسرية، وتدهور السمعة المجتمعية، كلها نتائج مباشرة وغير مباشرة لهذه الجريمة.
هناك من حاول الانتحار، ومنهم من فقدوا مستقبلهم الأكاديمي والمهني، بسبب ضغط نفسي خانق، لم يجدوا من يواسيهم أو يتفهمهم. وفي ظل نظرة اجتماعية لا ترحم، يتضاعف الضرر حين يُلام الضحية بدلًا من إنصافه.
خطوة مهمة: تأسيس وحدة مكافحة الابتزاز الإلكتروني بعدن
في هذا السياق، جاء تأسيس وحدة مكافحة الابتزاز الإلكتروني بإدارة أمن عدن، كخطوة جادة ومطلوبة لحماية المجتمع، وخصوصًا الفئات المستهدفة. هذه الوحدة تعمل على تلقي البلاغات، والتحري، وضبط المتهمين، بالتعاون مع الضحايا، مع الحفاظ على سرية المعلومات وضمان كرامة المبلِّغ.
وقد نجحت الوحدة في حل العديد من القضايا، كان آخرها قضية الشاب الذي انتحل هوية فتاة تُدعى "أميرة محمد"، حيث ابتز المئات بالتعاون مع شريكة له، وتم ضبطهما في عملية منسقة بين محافظة عدن وإحدى المحافظات المجاورة. هذه القضية كشفت مدى خطورة التنظيمات غير الظاهرة التي تستغل الفضاء الرقمي للإساءة.
لا تكفي الحملات الإعلامية أو الشعارات، فالمجتمع بحاجة لبرامج توعوية مستمرة في المدارس والجامعات والمراكز الشبابية، وكذلك إدماج مفاهيم الأمن الرقمي في المناهج الدراسية. كما يجب ضمان بيئة قانونية تحمي الضحايا وتلاحق الجناة، دون أن تتحول الضحية إلى طرف مُدان.
توفير الدعم النفسي للضحايا، وتسهيل الإبلاغ عن الجريمة عبر منصات آمنة وسرية، هو جزء لا يتجزأ من الحماية المجتمعية.
الابتزاز الإلكتروني جريمة تمس الجميع، ولا تُعالج بالصمت أو بالخجل، بل بالمواجهة، والوعي، والمحاسبة. من هنا، نقترح تخصيص أسبوع توعوي إلكتروني سنوي في عدن، يشارك فيه الإعلام، التعليم، المجتمع المدني، والجهات الأمنية، لتكوين جدار حماية مجتمعي منيع.
واختتمت باغريب قائلة: الابتزاز الإلكتروني جريمة لا تقف عند حدود الشاشة، بل تتعداها لتضرب استقرار الإنسان والأسرة والمجتمع بأكمله. وعي الأفراد، والتبليغ الفوري، والدعم النفسي والقانوني الفعّال، هي أدواتنا الأولى لمواجهة هذا الخطر.
"كل بلاغ، كل توعية، كل دعم لضحية، هو خطوة نحو مجتمع رقمي أكثر أمانًا وعدالة'.