في صباح يومٍ تملؤه الغيوم، عندها كانت الشمس نائمةً، بدأت قطرات المطر تنزل على المدينة كحبات لؤلؤٍ جميلةً تسُرُّ الناظرين.. عندئذ كان الأطفال يلعبون ويمرحون. ذهب الجميع إلى منازلهم ولم بيقَ أحد في الشارع ولا في الحي إلاّ منى وياسمين، فقد كانتا تلعبان سويةً وهما في قمةِ السعادة تحت قطرات المطر، وتقفزان وتركضان بكل خفةٍ والبسمة تملأ وجهيهما البريئين..
توقفت ياسمين عن اللعب قليلًا ونادت صديقتها منى باستغرابٍ لِما رأت: منى.. انظري الكل ذهبوا إلى منازلهم ليختبئوا من المطر!
-منى: ولماذا يختبئون من المطر رغم روعة جماله؟!
-ياسمين: أمي قالت لي ذات مرةٍ إن اللعب تحت المطر قد يؤدي إلى إصابتنا ببعض الأمراض.
-منى: أجل، أمي تقول هذا كذلك، لكن لا داعي للقلق، تعالي إلى هنا وشاهدي روعة نزوله ودعك من هذا الحديث.
لم يعبا بنصائح والداتيهما وذهبتا لتكملان لعبهما وهما تغنيان وترددان: (ما أجمل المطر.. ما أجمل المطر.. مطر.. مطر ... مطر... مطر .. مطر).. بعد مرور وقتٍ قصير من نزول المطر خرجت والدة منى لتبحث عنها وتعود بها إلى المنزل، وقد كانت تناديها وهي لا تسمع، فقد كانت تلعب مع صديقتها ياسمين تحت المطر وهما تغنيان أغنية المطر.
نادت والدة منى هذه المرة بصوت أقوى فسمعت منى صوت أمها وردت: والدتي أنا هنا.
-والدة منى: تعالي لنذهب إلى المنزل، فقد أقلقتينني عليك كثيرًا، تعالي أنت ِ أيضًا يا ياسمين فأمكِ قلقةً عليك، فقد سمعتها تناديكِ، ألم تسمعينها؟!
-ياسمين: لم أسمعها يا خالة!
منى.. هل سمعتي صوتها؟
-منى: لا ... لم أسمع صوتها!
-والدة منى: تعالي معنا يا ابنتي كي لا تمرضي في هذا الجو..
-ياسمين : خذي منى وأنا سأظل ألعب هنا قليلًا ريثما تأتي والدتي.
-منى: أستبقين هنا وحدك حقًا؟!
-ياسمين : نعم .. سألعب وسأمرح وأغني.
-منى: والدتي أنا سألعب...
-والدة منى : تعالي وإلاّ ستمرضين.. ألا تفهمين؟!
تعالي أنت ِ معنا يا ياسمين.
-ياسمين : لا .. لن آت ِ معكما.
أخذت والدة منى ابنتها وعادت بها إلى المنزل وقدمت لها الكعك والشاي الساخن. أما ياسمين فقد ظلت هناك تلعب تحت المطر وفي ذاك الجو البارد وهي لا تعلم أن والدتها تبحث عنها. فقد كانت تبحث عنها في كل مكان وفي الأماكن التي تعلم أن ابنتها تذهب إليها، حتى ذهبت إلى منزل صديقتها منى، ما إن وصلت إلى المنزل قامت بطرق الباب، فتحت لها الباب والدة منى فسألتها عن ابنتها، فأخبرتها والدة منى بكل شيء، فذهبت من فورها مسرعةً إلى ابنتها فوجدتها عائدةً إلى المنزل لأنها شعرت بالملل عندما ذهبت صديقتها منى إلى منزلها، وفكرت بالعودة أيضًا. فرحت والدتها بلقائها وضمتها ثم بدأت بالصراخ والغضب عليها، وأخذتها وعادت بها إلى المنزل وأعطتها ثوبًا لتلبسه، وحضّرت لها القهوة الساخنة وهي تنظر إليها نظرة تظهِر الاستياء من تصرفها، لكن قلب الأم كان متسامحاً.
شعرت ياسمين بأن والدتها مستاءة منها فاعتذرت منها، قبلت والدتها الاعتذار ونصحتها بالاعتذار من والدة منى.. عندما توقف هطول المطر ذهبتا معًا إلى منزل صديقتها منى واعتذرت من والدتها، فقبلت اعتذارها، فعادت ووالدتها إلى منزلهما.
وفي اليوم التالي مرضت ياسمين؛ فقد ظهر على وجهها التعب وارتفعت حرارتها، فأحضرت والدتها الطبيب، وفحصها الطبيب ثم أعطاءها الدواء، واهتمت والدتها بها حتى تحسنت.
أدركت ياسمين عندئذ أن والدتها ووالدة صديقتها منى كانتا محقتين في نصائحهما، وندمت أنها لم تسمعهما.
مرت الأيام ومرت الأشهر وجاء المطر مجددًا بروعته وجمال منظره، ففتحت ياسمين الباب لتخرج لكنها تذكرت ذلك المرض الذي أصيب به عندما نزل المطر في المرة الماضية، فعادت إلى الداخل واستمتعت بجماله من نافذة غرفتها المغلقة، وهي تشرب القهوة الساخنة.