تُعد العلاقة الزوجية من أعمق وأقوى الروابط الإنسانية، فهي تقوم على المودة والرحمة والمشاركة، والالتزام المتبادل بين طرفيها. ومع ذلك، فإن نجاح الزواج لا يعني الالتحام الكامل بين الزوجين، أو الانغماس سويًا طوال الوقت في أمور مشتركة بينهما، خاصة مع طول فترة الزواج، إذ يحتاج كل طرف إلى قدر من المساحة الشخصية التي تمنحه الحرية للتعبير عن ذاته والحفاظ على هويته الخاصة.
يعد موضوع المساحة الشخصية في الزواج من الموضوعات الحساسة جدًا، ولذلك يتطلب الأمر من الطرفين، الإلمام بأهميتها في تعزيز استقرار الحياة الزوجية، وتعديل تصرفاتهما بما يؤهل للحفاظ عليها دون احتكار أحد الطرفين لها، أي أن المساحة الخاصة حق للزوجة كما هي حق للزوج، ولذلك عليهما الاتفاق بالضوابط التي تحكمها دون الإخلال بأساسيات الزواج وقدسيته.
تُرى كيف يمكن الحفاظ على المساحة الخاصة بكل طرف دون حدوث أي انفصال نفسي أو عاطفي لاجتياز هذا المأزق الصعب الذي يحتاج الخروج منه إلى نضج كبير وفهم عميق من أجل تحقيق التوازن العاطفي؟
ما هي المساحة الشخصية بين الزوجين؟
المساحة الشخصية في الزواج لا تعني الانفصال أو البعد العاطفي، بل تشير إلى الحاجة الطبيعية لكل إنسان للحفاظ على جزء من حياته الخاصة. هذه المساحة قد تكون وقتاً لممارسة هوايات فردية، لقاء الأصدقاء، قراءة كتاب، التأمل، أو حتى مجرد الاستمتاع بالهدوء بعيداً عن ضغوط الحياة الزوجية والعائلية. لذا يمكن القول بأنها هي الحدود المادية والعاطفية التي يحتاجها كل من الزوجين ليشعرا بالراحة والأمان، ومفهومها يختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر، ويتأثر بالتفضيلات الثقافية والاجتماعية والشخصية. لكي تؤتي ثمارها لابد من وجود توازن، لأن المساحة المحدودة جدًا تؤدي إلى الشعور بالاختناق والاحباط لفقدان الهوية والاستقلالية ولو لبعض الوقت، بينما قد تُؤدي المساحة الزائدة إلى خلق فجوة بين الزوجين بحسب داليا شيحة خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية.
هل المساحة الشخصية مهمة في الزواج؟
بالطبع نعم، المساحة الشخصية في الزواج مهمة للغاية، ولها فوائد كبيرة جدًا مثل:
الحفاظ على الهوية
جميل أن يذوب كل طرف في الطرف الآخر، وأن يحدث الاندماج والانسجام، لكن يجب أن يكون هناك قدرًا من الخصوصية لكل طرف، وأمورًا أخرى يجربها يمارسها بمفرده، بهدف تعزيز هويته واستقلاليته عن الطرف الآخر في بعض الأوقات. إن لم يحدث ذلك، سيواجه كل من الزوجين أمورًا قاسية تهدد حياتهما الزوجية، وذلك بسبب الشعور بفقدان الهوية الشخصية، وضياع الأحلام وغياب الطموحات. إن وجود مساحة شخصية يساعد كل طرف على التمسك بهواياته، أحلامه، وقيمه الخاصة دون أن يشعر أنه يعيش في ظل الآخر، ولا قيمة له غير ذلك.
تجديد الطاقة العاطفية
يحتاج نجاح العلاقة الزوجية إلى بذلك جهد كبير، وفهم عميق لأهمية المساحة الشخصية في الزواج، لأن المشاركة المستمرة بين الزوجين قد تسبب الإرهاق أحيانًا، أما مع وجود مساحة خاصة بين الزوجين، فالأمر يختلف تمامًا، لأنها تمنح كل منهما فرصة للاستراحة وتجديد الطاقة، والنتيحة علاقة زوجية عاطفية مليئة بالشغف والحب.
تقليل الخلافات الزوجية
في كثير من الأحيان، تنشأ الخلافات بسبب الضغط الزائد والاحتكاك المستمر بين الزوجين. عندما يُتاح لكل طرف مساحة خاصة، تقل حدة التوتر وتزداد القدرة على التعامل مع المشكلات بحكمة ونضج، والنتيجة تقليل الخلافات الزوجية.
تعزيز الثقة المتبادلة
الثقة بين الزوجين أحد أهم مقومات العلاقة الزوجية الناجحة. منح الشريك مساحة شخصية يعكس ثقة حقيقية في العلاقة. فالأمان النفسي الذي يشعر به الطرفان يُقوي الروابط بينهما ويمنع الغيرة أو الشكوك الزائدة. ولذلك فوائد مثمرة أخرى أهمها تحقيق الألفة والسكينة التي بهما يتحقق استقرار العلاقة بين الزوجين.