في أحد الأحياء الشعبية كان يسكن منير، ذو السبعة أعوام، والذي كان يحب الطيور، وكان والده يرى ذلك، فأراد إدخال البهجة لقلبه فأخذه في أحد الأيام إلى السوق واشترى له خمسة صيصان صغيرة، وفرح منير بذلك كثيراً وكاد أن يطير من السرور، واعتبر هذه الصيصان بمثابة أطفاله، وأطلق عليهم
أسماء مميزة تبعاً لألوانهم، البرتقالي والأصفر والوردي والسماوي والأحمر.
وكان منير يطعمهم بيديه الصغيرتين، وخصص لهم زاوية في المنزل. ومرت الأيام وكبرت الصيصان، وكان السماوي والأحمر متهورين ويحبان اكتشاف العالم الخارجي. وفي أحد الأيام فتحت والدة منير باب المنزل كعادتها لتقوم بنشر الملابس على حبل الغسيل، ولكنها لم تغلق الباب، وفجأة خرج السماوي والأحمر يتمخطران أمام المنزل، ولكن حدثت كارثة غير متوقعة للسماوي والأحمر، فقد كان القط الشرير، واسمه زعرور، قريباً من المنزل، وكان أيضاً الغراب الأعور يحلق بجوار منزل منير، وما هي إلا لحظات حتى أمسك القط زعرور بالسماوي المسكين من رأسه الصغير بأنيابه البارزة وكأنه أسد جاء ليقضي على حياة السماوي، الذي كان يصرخ من الألم (صوصو صو)، وفي نفس اللحظة انقض الغراب الأعور على الأحمر وطار بعيداً.
كانت والدة منير في تلك اللحظة مشغولة بالحديث مع جارتها، وبعد انتهائها من نشر الغسيل سمعت صوت (صو صو صو)، وهرعت مسرعة نحو باب المنزل لترى زعرور الشرير يمضي مسرعاً وقد التهم السماوي دفعة واحدة، ورأت ريشه الجميل يتطاير في الهواء وكأنه حبات من اللؤلؤ المضيئة. والتفتت للجهة الأخرى لترى الأحمر في فم الغراب الأعور وهو يطير به عالياً في السماء..
وقفت والدة منير محتارة ماذا تفعل وماذا تقول لابنها منير عندما يعود للمنزل؟! لقد كانت واقفة وكأنها محنطة، وكان الزمن قد توقف من حولها، وشعرت بمشاعر غريبة تنتابها وكأنها أعاصير تهوي بها وهي ترى الصيصان الجميلة وقد قُتلت أمام عينيها وهي عاجزة عن مساعدتها. لقد شعرت بالحزن وأدمعت عيناها على مقتل تلك الصيصان بهذه الطريقة البشعة.
وكان منير في ذلك الوقت عائداً من المدرسة، ولكنه أثناء سيره في الطريق شعر بشعور مخيف لا يدري ما هو، وشعر بنبضات قلبه تتسارع وكأن قلبه سوف يخرج من بين أضلاعه. وعندما كان بجانب المنزل رأى ريش السماوي مبعثراً فأدرك فقدانه لصيصانه الرائعة السماوي والأحمر، وشعر بحزن شديد وصرخ عالياً "السماوي والأحمر أين أنتما يا أطفالي؟"، وظل حزيناً لعدة أيام ومكتئباً ولم يستطع تناول الطعام بسبب حزنه الشديد. لكن والده قال له يا بني لا تحزن، فما زال لديك ثلاثة صيصان أخرى، يمكنك الاعتناء بها.
وكانت الصيصان الباقية في حزن شديد لأنهم أدركوا أن السماوي والأحمر غير موجودين معهم، وبغريزتهم شعروا أنه قد حدث لهما أمر سيئ، فأصابهم الهلع والخوف، ولم يأكلوا شيئاً لعدة لأيام، وبدأت صحتهم بالتدهور وظهرت عليهم علامات مرض معدٍ، وأخذهم منير للطبيب البيطري الذي قال له إنهم يصارعون الموت، وانهم سوف يموتون قريباً.
حزن منير كثيراً على أطفاله الصيصان، وقرر أن لا يربي أي كائن آخر منذ ذلك الوقت، وأن جميع الحيوانات والطيور يجب أن تحظى بالحرية والعيش في الطبيعة، وأنه مهما أحب تلك الصيصان فإنه لا يستطيع منعهم من العيش على طبيعتهم، فالحرية غالية جداً.