الخميس 11 سبتمبر 2025 - 4:16 PM بتوقيت عدن

لا عدالة على الورق إن لم تُزرع في النفوس..!

عندما تُذكر كلمة "العدالة"، غالبًا ما يتبادر إلى الأذهان أنها شأن سياسي أو قانوني يختص بالخبراء واللجان والمحاكم غير أن الحقيقة أوسع وأعمق من ذلك بكثير.

فالعدالة ليست نصوصًا مكتوبة في الدساتير، ولا مجرد إجراءات لمعالجة الماضي، بل هي روح تتغلغل في حياة الناس، وتربية تبدأ من داخل الأسرة، لتنعكس على المجتمع ثم تُبنى بها الأوطان.

الأسرة هي أمة مصغّرة، وفيها يتعلّم الطفل أولى دروسه عن المساواة، الإنصاف، وقبول الآخر. فإذا كبر في بيئة تُنصفه وتُسمعه، وتُعلّمه أنّ لكل إنسان قيمة وكرامة، فإنّه سيحمل هذه القناعة إلى مدرسته، عمله، ومجتمعه. وعندها تصبح العدالة ثقافة وليست شعارا.

العدالة لا تعني الانتقام ولا طمس الماضي، بل تعني مواجهة الحقيقة بشجاعة، الاعتراف بالآلام، جبر الضرر، وبناء الثقة من جديد. وهي جسر بين ماضٍ مثقل بالصراعات، ومستقبل يُبنى على أساس المصالحة والكرامة الإنسانية. ولا يمكن لأي تشريع أو مبادرة حكومية أن تنجح ما لم تلامس القلوب وتجد صداها في الضمير الجمعي للناس.

إنّ المسؤولية هنا مشتركة:
على الدولة أن تضع الأسس والآليات التي تضمن المحاسبة والإنصاف.

وعلى الإعلام أن ينشر الوعي بقيم التعايش والتسامح والاحترام المتبادل.

وعلى الأسرة والمدرسة أن تزرع بذور العدالة في النفوس الصغيرة منذ البدايات.

بهذا الفهم، تصبح العدالة الانتقالية ليست مجرد مرحلة عابرة بعد النزاعات، بل مشروعًا وطنيًا وأخلاقيًا يشارك فيه الجميع. وعندما تُغرس العدالة في البيوت كما تُغرس الأشجار في التربة الخصبة، ستثمر قيم المصالحة في المجتمع، ويولد وطن جديد ينهض من جراحه أكثر قوةً وإنسانية.

فالعدالة ليست حلمًا بعيدًا، بل هي قرار يبدأ منّا جميعًا، يبدأ من كلمة منصفة في البيت، ومن قلب يعفو بصدق، ومن يد تبني بدلاً من أن تهدم. عندها فقط تصبح العدالة واقعًا حيًّا يُعيد للوطن سلامه وكرامته.

ودمتم سالمين..!

مشاركة المقال