بحسب ناشطات جنوبيات، لم تكن السيول التي شهدتها العاصمة عدن مؤخراً لتؤدي إلى كوارث ونكبات، لولا عبث أيادي المحتل اليمني بمخططاتها العمرانية، وإغلاق ممرات السيول بالمباني العشوائية، من خلال إفساحه المجال أمام بعض المغفلين الجنوبيين والوافدين اليمنيين للبناء عليها، لنيل استحسان وتعاطف البسطاء، رغم أنه (المحتل اليمني) لم يكن ينوي لهم خيراً، وإنما لتعريضهم للخطر ولطمس المعالم الحضارية والتاريخية للمدينة العريقة عدن.
فعقب اجتياح الجنوب في العام 1994م، تم تقسيم العاصمة عدن إلى مربعات فيد (غنيمة حرب)، بين بارونات وتجار الحرب اليمنيين، من عسكريين وسياسيين وزعامات قبلية، كان لأسرة عفاش وعلي محسن الأحمر، وأسرة الشيخ القبلي عبد الله بن حسين الأحمر ومجموعات هائل سعيد أنعم، ورجل الأعمال شاهر عبدالحق، وعبدالغني الشميري، وآل القاضي، والهمداني، ونبيل غانم، ومحمد سعيد محسن "الشرجبي"، وفؤاد البريهي، وأنيس حبيشي، وطه غانم، ومحمد صالح طريق، وحسين الحوثي، وعبدالكريم شائف، واللائحة تطول، لا يتسع المجال لذكر الجميع، كان لأولئك النصيب الاكبر من الاراضي والمتنفسات والمؤسسات والمصانع والمباني الحكومية، والمواقع الاستراتيجية، وتم توزيع ما تبقى على القيادات اليمنية الصغيرة. ولقد تطرق إلى ذلك الدكتور صالح باصرة في تقريره المعروف بـ(تقرير باصرة - هلال).
تقرير (باصرة - هلال) يكشف المستور:
كشف تقرير صالح باصرة وعبدالقادر هلال، عن استحواذ رموز الحرب الأولى على الجنوب على أراضي وعقارات الدولة وأملاك خاصة في عدن، وتحويلها إلى أملاك شخصية واعتبارها غنائم حرب، فيما تمت المتاجرة بالأراضي الواقعة في مناطق الحسوة والبريقة والجبال المطلة على مدينة عدن، بما فيها معابر وممرات تصريف مياه الأمطار التي تسببت في حدوث كارثة السيول أواخر أغسطس 2025م.
وبحسب تقرير (باصرة - هلال)، عاثت مافيا الفساد ولوبي وسماسرة الأراضي التابعون للمحتل اليمني، في العاصمة عدن خراباً وتدميراً لمخططات المدينة.
احتوى التقرير على إحصاءات وأرقام دقيقة، شملت أسماء كبار هوامير الفساد والمتنفذين، فيما عرف آنذاك بقائمة الـ 16 فاسد، وتم عرضه على الرئيس حينها علي عبد الله صالح الذي رفض التقرير وانحاز إلى جانب الفاسدين.
وذكر التقرير في الجزء المتعلق بنهب المساكن والمنشآت الحكومية، أن عددها قد بلغ في عدن وحدها 1357 مسكناً تم اقتحامها ونهبها، منها ثلاثة وستون عقاراً حكومياً في عدن فقط.
وبحسب مصادر إعلامية، كشفت تورط قيادة فرع هيئة أراضي وعقارات الدولة بمحافظة عدن، آنذاك، في صفقات فساد مهول، يقومون بجلب كبار سماسرة الأراضي والاتفاق معهم للعمل بالمناصفة، فيما تتولى قيادة الهيئة تقديم التسهيلات اللازمة وتبسيط الإجراءات التي يتطلبها عمل السمسار، ليتم الحصول على قطع الأرض (البقع) خلال أيام معدودات، بينما يقضي المواطن العدني البسيط سنوات عجاف لإكمال إجراءات الحصول على أرضية متواضعة إذا ما صرفت له بصعوبة. كما يتم الاتفاق على صفقات نهب وتوزيع الأراضي بين قيادة فرع المصلحة، في عدد من الفنادق الراقية منها ميركيور والحياة في جولد مور وجراند عدن.
هشاشة البنية التحتية للعاصمة عدن:
وبحسب الناشطات الجنوبيات، فإن البنية التحتية للعاصمة عدن، وفق تقارير مختصين، هشة، قديمة، متهالكة، وغير قادرة على الصمود في وجه الكوارث البيئية، ناهيك عن النازحين اليمنيين الذين تقدر أعدادهم بالملايين، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والخدمية الخانقة المستوطنة بمدينة عدن، والبناء العشوائي، والفساد الذي رافق عمل الكثير من مشاريع الطرقات وغيرها، كل تلك كانت مهيئات لحدوث كارثة الأمطار والسيول، كارثة إنسانية غير مسبوقة.
سيول توافدت من الجبال المطلة على المدينة، وأخرى قدمت من محافظة لحج، 90 ملم بلغ منسوب الأمطار التراكمي في عدد من مديرياتها،
انهارت مبانٍ، ومعها انهارت أحلام كثير من الأسر، غرقت أحياء وشوارع، وجُرفت العديد من السيارات، وتعطلت حركة السير بين مديريات العاصمة، وضع كارثي يفوق الوصف وخسائر مادية كبيرة.
مشاهد مرعبة:
وكانت ناشطات جنوبيات قد تداولن مقاطع فيديو وتصوير من الجو، أظهرت أحياء بأكملها وقد غمرتها السيول، مساحات شاسعة وارتفاع مخيف لمنسوب المياه. كما أظهرت مقاطع فيديو للسيول وهي تجرف سيارة تقل عدداً من الأشخاص بمنطقة الحسوة، تم إنقاذ البعض منهم، فيما لا يزال مصير آخرين مجهولاً، وسط استمرار عمليات البحث من قبل فرق الإنقاذ والمتطوعين والأهالي.
تسببت السيول في نزوح مئات الأسر ممن غرقت منازلها ولجوئها إلى المدارس والمرافق، خصوصًا أصحاب المنازل المبنية وسط ممرات السيول.
وبحسب تقارير، اجتاحت السيول الجارفة أحياء مناطق الحسوة وبئر أحمد وصلاح الدين وصيرة والمعلا والشيخ عثمان، حولت شوارعها الرئيسية إلى مسابح وبحيرات مغلقة، ما اضطر السكان إلى استخدام وسائل بديلة للتنقل ولقضاء حوائجهم.
وكانت السلطة المحلية بالعاصمة عدن قد دعت في وقت سابق المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر، والابتعاد عن مجاري السيول حفاظاً على سلامتهم، وكان لتلك الدعوات والمحاذير التي أطلقت عبر وسائل الإعلام المختلفة، دور كبير في تقليل عدد الخسائر البشرية.
البريقة منطقة منكوبة وإطلاق مناشدات:
من جهته محافظ العاصمة عدن الأستاذ أحمد حامد، قام بجولة ميدانية لعدد من أحياء العاصمة عدن، اطلع خلالها على حجم الأضرار البشرية والمادية، واستمع إلى شكاوى الأهالي، ووجه بفتح المدارس لإيواء المتضررين من السيول في الحسوة وإنماء وبئر أحمد، وأعلن مديرية البريقة منطقة منكوبة.
كما أصدر توجيهاته لأجهزة الدفاع المدني وصندوقي النظافة والصرف الصحي بالتحرك الفوري للتعامل مع الموقف، بتصريف المياه ورفع المخلفات لتسهيل حركة المرور، وتعزيز جاهزية فرق الطوارئ للتدخل السريع، وتعزيز التنسيق بين الجهات الخدمية لضمان استجابة فعّالة والحد من الأضرار.
من جهتها، أطلقت وزارة التخطيط والتعاون الدولي مناشدة عاجلة إلى المنظمات الدولية العاملة في بلادنا في هذا المجال - الحكومية وغير الحكومية - بسرعة التدخل لتوفير الإغاثة العاجلة للمتضررين، بما يشمل المأوى، والرعاية الصحية، والغذاء، لضمان تلبية الاحتياجات الضرورية للسكان المتأثرين.
وأكدت الوزارة على أهمية التعاون الدولي السريع في مواجهة الكوارث الطبيعية، مؤكدة أن التدخل العاجل سيسهم في تخفيف المعاناة وحماية المدنيين في المناطق الأكثر تضرراً.
من جانبها، أكدت هيئة الشؤون الاجتماعية بالأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي، أن بلادنا تمر هذه الأيام بظروف استثنائية وصعبة، نتيجة السيول الجارفة والمنخفض الجوي العنيف الذي ضرب العاصمة عدن وعددًا من محافظات جنوبنا الحبيب.
وأشارت إلى أن المنخفض الجوي خلف أضرارًا واسعة في الممتلكات ومنازل المواطنين، متسبباً في تفاقم معاناة الأسر، خصوصًا في الأحياء والمناطق ذات البنية التحتية الضعيفة. وكشفت أن فريق هيئة الشؤون الاجتماعية يعمل في كل المحافظات على متابعة الأوضاع الإنسانية عن قرب، وبذل ما يستطيع لتخفيف الأعباء عن كاهل أهلنا، مؤكدين أن دورنا الأساسي هو تنظيم وتنسيق العمل الإنساني والاجتماعي.
وخاطبت الهيئة رسميًا جميع الهيئات الحكومية والمنظمات الدولية والمحلية، مطالبةً إياها بالقيام بواجبها الإنساني والإغاثي العاجل، وتكثيف جهودها لمواجهة هذه الكارثة الطبيعية وآثارها المباشرة على حياة المواطنين.
ختاماً..
الكارثة كبيرة لم يتوقع أحد حدوثها، أضافت ملف أزمة جديدة على كاهل المواطن الجنوبي، إلى جانب الملفات القديمة الاقتصادية والخدمية والرواتب....الخ. كما أنها كشفت عن حجم الفساد بملفات الأراضي ومشاريع الطرقات والبنية التحتية إجمالاً بالعاصمة عدن. وكان لتكاتف الأهالي الدور الأكبر في التخفيف من هول الكارثة،
ويظل المطلوب في الوقت الراهن هو معالجة الأضرار، وتوفير ملاذات آمنة للأسر التي فقدت منازلها وجميع ممتلكاتها، ثم البحث في الأسباب ومعالجتها جذرياً لمنع حدوث أو تكرار الكارثة مستقبلاً.