في جزيرة تحرسها الجبال ويحيط بها البحر من كل الجهات، وُلدت المرأة السقطرية وسط عزلة جغرافية خانقة، وفرص شحيحة، وأعراف قبلية وموروثات اجتماعية رسمت لها حدود الدور منذ زمن بعيد. لسنوات طويلة كانت حياتها تدور في إطار مغلق، يراها المجتمع حارسة للبيت وراعية للأسرة، بعيدة عن ساحات القرار والمشاركة العامة.
لكن أعماق العزلة لم تكن كافية لإطفاء جذوة الطموح في داخلها. شيئاً فشيئاً، بدأت خطواتها تتجاوز الحواجز، وكأنها تشق لنفسها درباً بين الصخور. آمنت أن التعليم هو الجسر الأول نحو التغيير، فحملت حقيبتها ومضت إلى المدارس، ثم المعاهد والجامعات، متحدية الصعاب التي تعترض طريقها في جزيرة تتباعد فيها الفرص كما تتباعد القرى بين الجبال.
ومع المعرفة، جاء الوعي بدورها الحقيقي. دخلت ميدان العمل التطوعي والمبادرات المجتمعية، فكانت في الصفوف الأمامية لحملات التوعية، والمشاريع التنموية، والأنشطة البيئية. ثم انتقلت بثقة إلى مواقع الإدارة، قادت فرق عمل، وأدارت مشاريع، وصارت قادرة على صياغة الأفكار وتحويلها إلى خطط تخدم الناس وتنهض بالمجتمع.
اليوم، المرأة السقطرية لم تعد حبيسة الجغرافيا أو رهينة العادات، بل أصبحت حاضرة في الساحة المحلية بكل ثقة. لها حق الترشيح والمشاركة في صنع القرار، لأنها جزء أصيل من النسيج الاجتماعي، تعرف احتياجات مجتمعها، وتملك الإرادة لتلبية تلك الاحتياجات.
لقد تحولت قصتها من حكاية صمت في أعماق العزلة، إلى قصة صوت قوي في فضاء الحضور. هي اليوم نموذج للمرأة الجنوبية التي تتحدى القيود، وتثبت أن الإرادة والعمل الجاد قادران على تحويل أقسى البيئات إلى منصات للنجاح. إنها لا تمثل نفسها فقط، بل تمثل جيلاً جديداً من نساء سقطرى، يكتبن مستقبلهن بأيديهن، ويقفن على أرضهن بثقة، وينظرن إلى الأفق بلا خوف.