بحسب حقوقيين وناشطات يمنيات، صعدت مليشيا الحوثي الإيرانية، في الآونة الأخيرة، من إجراءاتها التعسفية والانتهاكات ضد النساء في صنعاء وعدد من محافظات اليمن الشقيق، وأخذت الانتهاكات أشكالاً عدة، لم تقتصر على الاعتداء الجسدي وأوامر الاعتقال القهري والاختطاف، والإخفاء والاعتقال التعسفي، الذي تمارسه "الزينبيات" الذراع النسوي المسلح لمليشيات الحوثي، بل تعدت ذلك إلى الترهيب والترويع النفسي طويل الأمد، عبر إصدار قرارات مقرونة بعقوبات جائرة. حيث فرضت مليشيات الحوثي في محافظة ذمار اليمنية نهاية شهر يوليو 2025م، قرارات جديدة تنتهك وبطريقة مباشرة حقوق وخصوصيات المرأة في المنطقة.
وبحسب وثيقة صادرة عن المليشيات موقعة من عدد من المشائخ الموالين لها في منطقة العسادي بمديرية وصاب العالي، فقد تم بموجبها حظر اقتناء النساء للهواتف الحديثة بشكل كامل، مع فرض غرامة مالية تصل إلى "مليون ريال" يمني على كل من يخالف هذا القرار.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ تضمنت الوثيقة مجموعة من البنود الأخرى الملزمة لأهالي المنطقة، أبرزها:
- تنظيم الأعراس والمناسبات الاجتماعية، عبر فرض قيود على المهر وتحديد قيمته لكل من البكر والثيب.
- منع استخدام شبكات الواي فاي في المنازل بشكل قاطع.
- حظر استخدام الهواتف المحمولة للأطفال والنساء.
- منع تشغيل مكبرات الصوت في الأغاني خلال حفلات الزفاف.
- تقييد حركة النساء، حيث حظرت الوثيقة سفر المرأة من الريف إلى المدينة أو إلى مناطق بعيدة دون محرم، وحددت عقوبة المخالفة بغرامة تصل إلى مليون ريال، إضافة إلى الطرد من المنطقة ومصادرة الممتلكات.
وتشير الوثيقة، المؤرخة في 25 يوليو 2025، إلى أن الغرامات المفروضة على المخالفين تتراوح بين 200 ألف ريال ومليون ريال يمني.
وسبق لمليشيات الحوثي أن أصدرت قرارات مماثلة في محافظة عمران ومديرية بني حشيش بصنعاء، إضافة إلى مناطق أخرى.
نظرة دونية جردت المرأة اليمنية من أبسط حقوقها:
وتشير تقارير إلى أنه منذ انفراد المليشيات الحوثية بالسلطة في العام 2014م حتى اللحظة، شرعت بتكثيف ضغوطاتها وانتهاكاتها بحق النساء، بذريعة المحافظة على الأخلاق والقيم والثقافة الإيمانية، معتبرة أن الكثير من مهن النساء وأعمالهن بل وعاداتهن، متنافية مع الأخلاق، وتندرج ضمن قائمة الممنوعات التي تجرمها المليشيا الحوثية وفق رؤيتها.
وبات ينظر إلى المرأة اليمنية في ظل سلطة الحوثيين بنظرة دونية، جردتها من ابسط حقوقها، وأسقطتها من مكانتها، إذ باتت المرأة لا تمتلك من الحرية شيئاً، ولا يحق لها مما كفله لها الدستور والقانون شيئاً، إذ وفق رؤية الحوثيين أن اختلاطها مع الرجل في العمل والدراسة يتنافى مع ما تسميها الثقافة الإيمانية.
فرضت المليشيا الكثير من القيود والإجراءات للتضييق على المرأة، والحد من تواجدها في الحياة العامة، ابتداء من منعها من الوظيفة العامة باستثناء مجالات ضيقة ومحدودة وبشروط مشددة.
وعلى مدى الأشهر الماضية تعرض مئات النساء والفتيات، في مناطق سيطرة الحوثيين، لسلسلة من الاعتداءات والتجاوزات، وُصف كثير منها بـ"الاعتداءات الوحشية".
5282 انتهاكاً بحق النساء بمناطق سيطرة الحوثيين:
لم تلقَ المرأة اليمنية من الظلم والتعسف والإهانة طيلة قرون ماضية كالذي لاقته في زمن حكم المليشيا الحوثية في فترة وجيزة، إذ ظلت المرأة في اليمن بكل أحوالها الاجتماعية تحظى بمكانة مرموقة في المجتمع اليمني، وإجلال منقطع النظير قل أن يوجد في مجتمع آخر، وبقيت تحظى بالاهتمام والعناية والاحترام حتى تاريخ 21 سبتمبر 2014، وهو تاريخ انقلاب المليشيا الحوثية.
وكشف تقرير حقوقي يمني صدر مؤخراً، عن ارتكاب المليشيات الحوثية 5282 انتهاكاً بحق النساء في اليمن، وذلك خلال 8 أعوام فقط من 1 يناير/كانون الثاني 2017 وحتى 1 يناير/كانون الثاني 2025م.
وأشار التقرير الصادر عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إلى أن "الانتهاكات تنوعت بين (1466) حالة قتل و(3379) حالة إصابة جراء القصف المدفعي وانفجار الألغام والعبوات الناسفة، وكذلك أعمال القنص والإطلاق العشوائي للرصاص الحي الحوثية، بالإضافة إلى (547) حالة اختطاف واختفاء وتعذيب".
وخلال 8 أعوام، تعرضت (547) امرأة للاختطاف في (12) محافظة يمنية، منهن (69) امرأة ممن اختطفتهن مليشيات الحوثي وتم اقتيادهن إلى سجون سرية، وتعرضن للاختفاء القسري لفترات تراوحت بين 3 أشهر إلى سنة كاملة، قبل أن يتم الكشف عن أماكن احتجازهن.
ووفقا للتقرير، لا يزال مصير بعض النساء منهن مجهولاً حتى اللحظة، من بينهن (47) حالة اختفاء في أمانة العاصمة، و(13) حالة اختفاء في صنعاء، و(9) حالات اختفاء في الحديدة.
لم تبقَ أسرة إلا وتعرضت حقوقها للانتهاك:
وبحسب التقرير، فقد تعددت أساليب ووسائل الحرب، وظلت النساء هدفاً لتلك الجرائم الحوثية، ويستمر القتل ونزيف الدم باستمرار أعمال القصف التي تستهدف منازل المواطنين والأحياء السكنية من قبل مليشيات الحوثي، بما فيها تلك الأحياء والمنازل البعيدة جداً عن خطوط المواجهات.
وقال التقرير "لم يبق حق من حقوق الإنسان إلا وانتهك، ولم تبق أسرة إلا وتعرضت حقوقها لانتهاك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولم تسلم شريحة من شرائح المجتمع إلا وتعرضت للانتهاك من قبل مليشيات الحوثي خلال عشرة أعوام".
ودعت الشبكة الحقوقية المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي، إلى تحمل المسؤولية في حماية النساء في اليمن من الإرهاب الذي تمارسه ميليشيا الحوثي الإرهابية.
وكانت تقارير أممية وثقت اعتقال الحوثيين للنساء بسبب انتماؤهن السياسي، أو مشاركتهن في منظمات المجتمع المدني، أو نشاطهن في مجال حقوق الإنسان، في سابقة لم تحدث على مر التاريخ. إلى جانب تستر مليشيات الحوثي على الجناة، بل وتوفير الحماية اللازمة لهم ضد أي ملاحقات قانونية أو قضائية.
وتظل قضية الطفلة جنات طاهر (9 أعوام) التي تم اغتصابها من قبل مشرف حوثي يدعى أحمد حسين نجاد (30 عاماً) مثالاً حياً. حيث أصدرت سلطة الحوثيين في صنعاء أمراً بسجن والد الطفلة جنات المكلوم (طاهر السياغي) بسبب رفضه الاستجابة لمحاولات من قيادات حوثية وقبلية، لدفعه إلى التنازل عن قضية ابنته، أو تزويجها لمغتصبها.
ختاماً..
يمر اليمن الشقيق بمرحلة مشبعة بالإرهاب والإجرام بحق المرأة، التي لم يتبادر إلى ذهن أحد أن تصبح يوماً ما عرضة للملاحقة والاختطافات والتغييب في الزنازين، وممارسة أبشع أنوع التعذيب النفسي والجسدي بحقها، الى جانب التحرش واتهامها بالدعارة، ليصل الأمر في بعض الأحوال إلى الاغتصاب، وفقاً لتقارير محلية وحقوقية.
والمؤسف هو سكوت القبائل اليمنية أمام ما تتعرض له نساؤهم ونساء الأسر الضعيفة الساكنة في حماهم، فذلك بمثابة وصمة عار على جبينهم لن يمحى مهما تقادم الزمن.