المرأة الجنوبية بين التعليم والعمل والحصار الثقافي، كيف تتحدى هذا الصراع بعد الحرب، وخاصة في الآونة الأخيرة التي أصبحت أكثر تعقيداً بسبب الصراع المعيشي والخدماتي، وأيضاً بسبب تقاليد مجتمعية، كيف يتم تغطية النفقات الدراسية والكفاح من أجل البقاء..؟
مازالت مستمرة في العطاء
قالت أسمهان رويشد، مكتب الصحة والسكان بالمهرة، مديرية المسيلة: عانت المرأة الجنوبية من بداية الحرب وخاصة في الآونة الخيرة، وأصبحت بعض النساء يحملن مسؤولية كبيرة في مساعدة أسرهن في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، بسبب الفقر وقلة فرص العمل وغياب المرتبات، مما أدى إلى تفاقم معاناتهن في توفير احتياجاتهن الضرورية والأساسية.
وسط التحديات الكبيرة من كل جوانب الحياة، ورغم أنها أصبحت في غياهب الجب، مهمشة في حقوقها، إلا أن المرأة الجنوبية مازالت مستمرة في العطاء في التعليم وفي العمل رغم صعوبة العيش وتوفير الاحتياجات، أصبحت مكلفة في هذا الوضع المعيشي الصعب بسبب تدهور الوضع الاقتصادي.
وفي ظل الحصار الثقافي، يجب التركيز عى الهوية الثقافية وتعزيز الإبداع والابتكارات والتمسك بالقيم والعادات، وتشجيع الأجيال على التعليم، والاعتزاز بها، وتبادل المعارف ودعم المبادرات الثقافية المحلية وإظهارها للمجتمع الخارجي.
تواجه تحديات جديدة
وقالت رميا فيصل محمد حسن، من مكتب التربية والتعليم بمحافظة لحج: تواجه المرأة الجنوبية تحديات جديدة وصعبة فرضتها عليها المرحلة، ونظم القوى الحاكمة ما بعد الوحدة، بعدما كان للمراة دور فاعل إبان الدولة الجنوبية، حيث كانت محور النظام وشريكة للرجل في بناء الدولة، بل أصبحت صانعة القرار بعد التأهيل والتدريب والتعليم، حيث كان للمراة النصيب الأكبر من التأهيل على المستوى الداخلي والخارج، حتى أصبح يشار إليها بالبنان، لتأتي وحدة الشؤم لتحول دور المرأة إلى هامش، بعد دخول ثقافات مجتمعية كانت موجودة في الشطر الشمالي لتعمم على المحافظات الجنوبية، وتصير المرأة الجنوبية أسيرة لهذه الثقافة الدخيلة، حتى انعكس على مستواها التعليمي والعملي، إلا ما ندر، فأصبحت المرأة ربة بيت فقط، ودورها هامشي في الدولة ومرافق العمل لمن حالفهن الحظ من النظام السابق.
ومع الحرب الاخيرة تراكمت المصاعب والتحديات وأصبح دور المرأة ضعيفاً جداً، وزاد الوضع المعيشي القاسي الذي تحملت المرأة جزءًا كبيرًا من تبعاته إلى جانب أخيها الرجل من معاناتها، حيث توقفت المدارس عن التدريس نتيجة إضراب المعلمين، وكذا الوضع المعيشي الذي حرم الكثير من الفتيات من التعليم نتيجة عجز أهاليهن عن توفير صرفيات التعليم، إذ أن الرواتب صارت لا يكفي لأساسيات البيت.
تلك هي أبرز التحديات التي شكلت ثنائياً مع التقاليد المجتمعية ضد المرأة. لكن التغلب على تلك التحديات يكون من خلال الدعم المجتمعي والتعليم والتدريب على المهارات التي تمكنها من المشاركة الفعالة في المجتمع، خاصة للمؤسسات المجتمعية التي بدأت تنشط في هذا الاتجاه، وكذا الدعم المجتمعي والأسري مهم لتمكين المرأة الجنوبية من التغلب على الصراع المعيشي والخدماتي والتقاليد المجتمعية.
المرأة أخذت النصيب الأكبر من مخلفات الحرب
وتحدثت الأستاذة جليلة علي قاسم؛ مدير إدارة المرأة والطفل في المجلس الانتقالي الجنوبي لمحافظة الضالع، قائلة: المرأة الجنوبية أخذت النصيب الأكبر من آثار ومخلفات الحرب، في الوقت الذي كان لها دور مشرف في مناصرة أخيها الجنوبي المقاتل في مختلف جبهات القتال، معنوياً ومادياً وغذائياً.
الآثار التدميرية التي تركتها الحرب وشراكة الحكم مع بقايا عهد حكم عفاش، أدخلت الجنوب في أزمات اقتصادية ممنهجة وحرب خدمات شرسة فرضت على شعب الجنوب. إلا أنه في خضم هذا الواقع المأساوي والمخيف مازالت المرأة الجنوبية حاضرة بعنفوانها وبجهدها وصبرها وكفاحها، تواجه هذا الواقع معيشياً واجتماعياً وتعليمياً.
وفي ظل المشهد السياسي الراهن التي تشهده الساحة الجنوبية، وفي ظل الوضع الاقتصادي والخدمي والمعيشي الخانق، فقدت الكثير من النساء من كان يعيل أسرهن، شهداء وفقداء ومعاقين وجرحى حرب، ممن أصبحن يتحملن أعباء مسؤولية ورعاية الأسر. وهناك من فقدت الأمل جراء التفكيك الأسري والتأثر النفسي بالبيئة المحيطة بها.
استمرار الحرب العسكرية، وحرب الخدمات وتدهور المعيشة، وغلاء الأسعار وتسارع تدهور العملة المحلية.. كل هذه العوامل أثرت إلى حد بعيد على تراجع نسبة تعليم الفتاة الجنوبية، فالمرأة اليوم تطمح إلى التعلم المستمر، والبحث الدائم عن الجديد، وعن السبل الأكثر فعالية للارتقاء بالتعليم على نحو أفضل.
ومن الناحية العملية، فالأغلبية الساحقة من النساء يبحثن عن فرصة عمل لمساعدة معيل الأسرة في مصاريف البيت، وهذا ما نريد طرحه على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والمنظمات الدولية الداعمة، والمؤسسات المحلية، بتنظيم ورش تدريبية لإنشاء وتعليم وتأهيل المرأة لتمكينها من العمل، من خلال إعطائها معدات للعمل عليها مثل تعلم الخياطة وغيرها، على اعتبار أن جهود التنمية تتطلب إسهام المرأة بشكل فاعل من خلال تنمية المهارات، وتكثيف برامج التأهيل والتدريب، وتطوير إمكاناتها الذاتية.
أثبتت أنها قادرة
ومن جانب آخر، عبرت لويزا عبده هادي اللوزي، رئيسة التعليم سابقاً، رئيسة اتحاد الحرفيين الجنوبيين حالياً، عن رأيها، قائلة: المراة الجنوبية اليوم أثبتت أنها قادرة على تحمل مسؤوليتها في كل مجالات الحياة، رغم الظروف الصعبة الراهنة التي يعيشها الجنوب من تدمير كلي، وأولها التعليم، بعد دخول الجنوب في ما يسمى بالوحدة اليمنية القاتلة، التي قضت على الأخضر واليابس في الجنوب، ودمرت البنية التحية وهمشت دور المرأة الجنوبية كقيادية.
إلا أن المراة الجنوبية بعد الحرب الحوثية العفاشية الظالمة في 2015 على الجنوب، اثبتت وجودها في كل مجالات الحياة، لتفعيل دورها المجتمعي كرائدة قيادية، فعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها الجنوب من غلاء معيشة وانهيار العملة، إلا أن المراة الجنوبية عملت على تعليم أولادها بقدر المستطاع.
فالكثير من الأسر غير قادرة على تغطية النفقات الدراسية، حيث لا يوجد لديها مصدر دخل لتعليم أولادها، حتى وإن وجد بهذه الظروف الراهنة التي يعيشها الجنوب فهو غير كافٍ لتحمل تكاليف النفقات الباهظة، من رسوم المدارس والجامعات الخاصة، في ظل الانهيار اليومي للعملة المحلية، والذي أنهك حياة المواطن الجنوبي.
فأكثر الأسر الآن في هذه المرحلة الحرجة تصر أن تعمل جاهدة على مساعدة نفسها بأعمال حرفية منتجة، لتحسين وضعها المعيشي وإعانة أفرادها من أجل استكمال الدراسة والبقاء فيها.
وفي الختام.. أشارت الكاتبة روعة جمال إلى أن المرأة الجنوبية أثبتت أنها قادرة على التحدي والصمود في وجه التحديات، واستطاعت أن تلعب دورًا بارزًا في المجتمع. ومن خلال التعليم والعمل والدعم المجتمعي، يمكن للمرأة الجنوبية أن تحقق أهدافها وتساهم في نهضة المجتمع.