رمح أصابني ولم أشفَ منه بعدُ، والروح تئن ولم يستكن وجعها بعدُ. أرى وجعي ملقى على فراش الموتى، تهتز الخفقات وتتماوج بين خفقان وركود. تلك الخفقات تشعل جوفي بنار الخوف، ويصيبني داء الرماح مشتعلاً صوب القفا ليخترق قلبي دون أن أدركه حتّى، أحسست بحرارته تلك إبان اختراقه دون أن ألمح قدومه، لكنّه زارني ليقطع تلك النياط الصغيرة الملتفة بالفؤاد، من شدة صغرها لم تحمِ القلب من الآلام ولم تمنع أنين الروح من سهم الخيانة... لو تسألونني عن أيّة خيانة تتكلمين؟ سأجيبكم دون تردد منّي: إن لأكبر خيانة يتعرض لها المرء هي أن تخونه صحته.. وإن سألتموني لماذا؟ سأردّ عليكم باختصار: الخيانة الوحيدة التي لا تعوّض ولا تستبدل، إما أن تسترجعها أو تخسرها للأبد.
إنّني أتكئ على ركبتيّ، أهجو حالي الذي ضاع بين جدران المستشفيات وزواياها، تمنيت لو أني كنت صمّاء لا أدرك شيئاً من حولي.
كلماته!.. نعم... كلماته كانت كرماح الأشواق التي تقرع أجراس الفاجعة بصدري، يهتز من قشعريرة ما ألقى به على مسمعي من كلمات : الكيمياوي أول خطوة نحو العلاج، عليك به... وانصرف دون أن يضيف كلمة أخرى..
أظن أنكم عرفتم من القائل.. أجل، إنه الطبيب الذي عُرف عنه مصدر الدواء، لكنه كان دائي، ذلك الكيمياوي يرونه الأطباء حلّاً ودواءً، لكنّه عند العليل علّة وداء..
أشتاق إلى أيّام خلت كنت فيها دون كبسولات، أيام لا يعرفني بها طبيب ولا صيدلاني ولا حتّى مسكنات.. أتراني أتقبل هذا الوضع بسهولة أم أرضى بقسمتي فهو عند الله مكتوب، بعد انكسار دام فترات رفعت يدي للذي لا ينام ولا يعجزه شيء أن يشفيني من سقم زار جسدي، ويجعل الدواء من كل جرعة لي شفاء، أتظنني أطيل انكساري وأنا التي وكلت أمري للذي استوى على العرش ورفع السماء دون عماد.
نهضت من فترات لم أجد فيها راحة إلا بذكر الذي جعلته لأمري وكيلاً، أتراني أتوه وأنا التي أردّد في سرّي: وكفى بالله وكيلاً.