يُعد خيال الأطفال من أغنى الكنوز التي يمكن للكاتب أن يستلهم منها مادته القصصية. فالطفل لا يرى العالم كما يراه الكبار، بل يراه بعين الدهشة والعفوية والتأمل الحرّ الذي لا تقيّده القوانين الصارمة للمنطق أو الواقع. ومن هنا، فإن استثمار خيال الأطفال في كتابة قصص موجهة لهم ليس فقط ضرورة فنية، بل هو أيضاً مدخل تربوي وثقافي لبناء وعي الطفل وتنمية قدراته.
أول ما يجب إدراكه أن خيال الطفل ليس عشوائيًا، بل يمتلك نظامًا خاصًا ينبع من حاجاته النفسية، وأسئلته الوجودية المبكرة، ورغبته في استكشاف العالم من حوله. لذا، عندما يكتب الكاتب قصة مستلهمة من خيال الأطفال، فإنه لا يقتحم عالمهم ليفرض رؤاه، بل يدخل هذا العالم ليرى بعينهم، ويحكي بلغتهم، ويقدم حكايات تُلامس أحلامهم ومخاوفهم وآمالهم.
تكمن أهمية هذا التوجه في قدرته على خلق تواصل حقيقي بين القصة والطفل القارئ. فعندما يقرأ الطفل قصة تحتوي على مواقف وأفكار تشبه تلك التي تخطر في باله أو يحلم بها، يشعر بانتمائه إلى النص، ويجد نفسه جزءًا من الحكاية. ومثل هذا الشعور يعزز القراءة، ويفتح له أفق التأمل، ويقوّي خياله في المقابل، لتدور دائرة الإبداع مرة أخرى من الطفل إلى الكاتب.
ولتحقيق هذا الاستثمار بذكاء، يمكن للكاتب أن يصغي جيدًا للأطفال، ويتأمل رسوماتهم، ويشاركهم ألعابهم، ويلاحظ طريقة حديثهم عن الأشياء. كما يمكن أن يفتح لهم باب التعبير الحر ويحول أفكارهم العفوية إلى نواة لحكايات ناضجة فنيًا، لكنها لا تفقد براءتها أو سحرها.
إن القصص المستلهمة من خيال الأطفال لا تُسهم فقط في إنتاج أدب طفلي أكثر قربًا للمتلقي الصغير، بل تزرع في نفس الطفل احترامًا لذاته وتقديرًا لصوته الداخلي. وهكذا يصبح الطفل شريكًا في صناعة الحكاية، لا مجرد مستهلك لها.
في النهاية، إن استثمار خيال الأطفال في الكتابة القصصية يمثل جسرًا إنسانيًا رائعًا بين الواقع والخيال، وبين الطفل والكاتب، وبين الأدب والمستقبل.